الرواتب في خطر وخفضها قد يكون إجبارياً !! بقلم: عبد الناصر النجار
 
 
الرواتب في خطر وخفضها قد يكون إجبارياً !! بقلم: عبد الناصر النجار
 
 

هذا العنوان ليس من باب التهويل أو الترويع، بل من رحم حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي للسلطة الوطنية، والتحديات المستقبلية في هذا الاتجاه.
صدر، أول من أمس، تقرير لصندوق النقد الدولي حول الوضع الاقتصادي الفلسطيني، ثم لحقه تقرير لوكالة المساعدات الدولية “أوكسفام”.
يشير التقريران في البداية إلى مسؤولية سلطات الاحتلال عن تدهور الوضع الاقتصادي والمالي.. ولا غرابة في ذلك؛ لأن الاحتلال كان يهدف منذ اليوم الأول لسيطرته على ما تبقى من فلسطين التاريخية في العام 1967 إلى تحويل الشعب الفلسطيني إلى مجموعات تركض وراء لقمة العيش، بحيث تصبح الهمّ الأول لكل مواطن فلسطيني. وهذا ما يبدو أنه قد تحقق بعد أربعة عقود زادت فيها معاناة الشعب الفلسطيني.
ولا عجب عندما يتحدث تقرير “أوكسفام” عن أن حياة ملايين الفلسطينيين أصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل عشرين عاماً، وربما نحن الاستثناء الوحيد في العالم الذي تواصل تدهور وضعنا المالي والاقتصادي خلال هذه السنوات، أي منذ قيام السلطة الوطنية، وكأن رسالة الاحتلال تقول: أنتم تريدون سلطة ودولة، والثمن هو مزيد من الفقر والجوع والبطالة؟!
ورغم تأكيد “أوكسفام” على أن سياسة الاحتلال المتعمّدة هي الأساس في هذا الوضع المأساوي، وأنه لا تحسُّن إلاّ بإنهاء الاحتلال أو إجبار سلطات الاحتلال على تغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين من حصار وإغلاق ومنع تصدير وسيطرة على المناطق (ج) التي تزيد مساحتها على 61% من أراضي الضفة، وسيطرة على مصادر المياه، والتحكُّم في المعابر والطرق. فإن هناك أسباباً أخرى داخلية، أما تقرير صندوق النقد الدولي فكان أكثر وضوحاً، حين أكد أن الوضع المالي للسلطة خلال السنوات المقبلة سيكون حرجاً جداً إذا لم تتمكن السلطة من الموازنة بين الإيرادات والنفقات، مشيراً إلى أن فاتورة الرواتب تستحوذ على معظم الموازنة. وبالتالي لا بدّ من الحدّ من الإنفاق الجاري وزيادة الإنفاق الرأسمالي الذي لا يتجاوز اليوم 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكأن صندوق النقد يدعو صراحة إلى وقف أي زيادة في فاتورة الرواتب، بل نستنتج أمراً خطيراً وهو تخفيض هذه الفاتورة في ظل معطيات حول تراجع النمو من 11% في العام 2011 إلى 5,9% في العام 2012، إلى 4,5% في العام 2013 ليصل إلى 3% فقط في العام 2016 مع ارتفاع نسبة البطالة في الضفة والقطاع إلى 24% !!
باختصار، ما سبق جزء من المعطيات الاقتصادية، وهي في مجملها سوداوية، والأخطر فيها ربط الوضع الاقتصادي الفلسطيني بالمحادثات السياسية؛ بمعنى أنه في حال عدم حدوث تقدم في المفاوضات فإن الدول المانحة ستكون مضطرة لتخفيض مساهمتها المالية ودعمها للسلطة الوطنية.
إذن، نحن أمام ضغط سياسي خانق باستخدام الورقة الاقتصادية ولقمة العيش، والواضح أن الاحتلال لن يغير سياساته، والمفاوضات لن تتقدم إلاّ إذا كانت هناك جدوى حقيقية تكمن في التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والانفكاك من التبعية الاقتصادية لإسرائيل، وكلها خيارات تبدو أكثر من صعبة.
إذن، كل زيادة في الرواتب تعني زيادة في العجز المتراكم للسلطة الذي سيصل نهاية هذا العام إلى 300 مليون دولار.. وإذا تفاقم هذا العجز فستجد السلطة نفسها غير قادرة على دفع الرواتب.
باختصار نحن أمام حلقة مفرغة ندور فيها منذ سنوات، ولكن ليس على مبدأ “مكانك سر” بل تراجع.
ربما كانت النصيحة لكل مواطن فلسطيني هي إعادة النظر بجدية في مفاهيم الاستهلاك لديه، وإعادة ترتيب الأولويات وعدم الإقدام على المغامرات الاستهلاكية.. لعلّنا نجد في قرشنا الأبيض ملاذاً في الأيام السوداء المقبلة.
وأخيراً.. الرواتب في خطر، وخفضها قد يكون أمراً لا مفر منه في المستقبل إذا ما كانت هناك إمكانية أصلاً للدفع، إلاّ بتنازلات سياسية تفضي إلى إنجاح مفاوضات وحل على الطريقة الأميركية أو الغربية في ظل انهيار عربي تام!!.

 
 

أضف تعليقك