تفاصيل المبادرة الاقتصادية من أجل فلسطين
 
 
تفاصيل المبادرة الاقتصادية من أجل فلسطين
 
 

بيت لحم/PNN- المرصد- كتب فريق البحث في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية “المرصد”، حول الخطة الاقتصادية التي تقدم بها مكتب ممثل الرباعية الدولية والتي إعدادها يتطلب مئات الخبراء، حددهم مكتب ممثل الرباعية الدولية حسب الوثيقة المقدمة للسلطة الفلسطينية بتاريخ 2 أيلول 2013 تحت مسمى مسودة سرية، باسم “المبادرة الاقتصادية لدعم بناء الدولة الفلسطينية”، وتم نشر بعض المعلومات الواردة بالوثيقة بتاريخ 25 أيلول من هذا العام على الموقع الالكتروني الخاص بالرباعية الدولية في القدس المحتلة، باسم “ملخص حول الخطة الاقتصادية الفلسطينية”.

يدعي مندوب الرباعية الدولية أنه لأول مرة في التاريخ يتم إعداد مثل هذه المقاربة الاقتصادية “حيث أنه وللمرة الأولى عبر التاريخ يتم اعتماد هذا التقارب الحديث، الشامل، الإبداعي والعام. حديث وإبداعي من حيث اعتماده على القطاع الخاص وليس

على دعم القطاع العام وحده، وإبداعي كونه يدعم فلسفة تقوية القطاع الخاص الفلسطيني ليكون الرائد في رفع دعامة الاقتصاد الصحي والسليم. شامل من حيث الدور المناط للأمم والوكالات من كافة أنحاء العالم، وعام من حيث الدعم الذي تستطيع حشده من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي” . هذا “إبداع” اقل ما يقال عنه أنه مليء بالتناقضات السياسية والتنموية. وكل ما يلزم هو دخول رأس مال أو ضخ مساعدات، حصل هذا مع بداية أوسلو، وفي خطة التنمية الفلسطينية 2011-2013 ومؤتمر باريس للمانحين. العامل اﻷساسي لم يتغير وهو الهيمنة الاقتصادية وحالة التبعية.

طاقم الخبراء المقترحين موزعين على النحو التالي: أكثر من 100 من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص من كلا الطرفين، مهمتهم مراجعة المحاور الاقتصادية في ثماني قطاعات مهمة، إضافة إلى 15 من المدراء التنفيذيين والماليين السابقين لشركات متعددة الجنسيات لتطوير القدرة التنافسية للاقتصاد، و10 خبراء آخرين من مكتب الرباعية الدولية لهم معرفة عميقة بالاقتصاد الفلسطيني، إضافة إلى 30 خبيراً دولياً لهم معرفة واسعة في القطاعات ضمن الخطة. بمعنى أن ما يقارب ال 200 خبيراً اقتصادياً ومساعديهم سينشغلون خلال الفترة المقبلة بوضع خطة مفصلة لبناء اقتصاد يحل مشاكل البطالة والإنتاج وفق الوضع القائم، وسيسعون إلى إدخال تحسينات معينة من قبل سلطة الاحتلال ستسهل تنفيذ الخطة. لا مانع أن يكون بعض هؤلاء الخبراء هم موظفين في شركة الاستشارات التي يملكها بلير (حيث أن تعارض المصالح يتم التغاضي بشكل كبير عنه في كل المشاريع الاقتصادية التي كان بلير طرفاً فيها).

اللافت أيضاً أنه وخلافاً للتصريحات المختلفة بتحقيق دولة فلسطينية مع انتهاء المفاوضات بعد 9 شهور من بدئها، إلا أن خطة بلير لا تنص صراحة على وجود دولة خلال 3 سنوات القادمة (2014-2016). ذات الخطة يتفاءل بلير بتنفيذها، ويسوق عدة أمثلة على النجاحات التي حققها، مثل الموافقة على ترخيص شركة الوطنية موبايل، إعادة افتتاح حاجز الجلمة، مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة، والموافقة على إحضار تصاريح لمدارس وعيادات من قبل سلطات الاحتلال .

فكرة وجود الرباعية الدولية أصبحت تتمحور فقط في إطار الحصول على تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين. والتي لا تخلو من الفساد وتعارض المصالح حيث يشارك بلير في سلسلة من الصفقات والمشاريع والتي تضع تحت علامة استفهام حول صلاحيته لتنفيذ مهام منصبه دون تضارب في المصالح.

القناة الرابعة البريطانية نشرت تقرير بعنوان The Wonderful World of Tony Blair” “، تحدثت فيه أن بلير قام بمبادرات اقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية وفي قطاع غزة لشركات تعتبر من زبائنه، مثل بنك الاستثمارات جي. بي مورغن الذي كما هو معروف يدفع راتباً سنوياً لبلير. كما أن بلير دعم إقامة حقل غاز طبيعي في غزة، وضغط بكل ثقله لإقناع المحافل في “إسرائيل” من اجل السماح بتطوير الحقل، مع أن الفلسطينيين أعربوا عن انتقادهم لجهوده وطالبوا باستقلالية حصرية في تشغيل الحقل وفي تلقي مداخيله. هنا أيضاً يتبين أن من يشغل الحقل هي شركة ‘بريتش غاز’، زبون مركزي لبنك جي. بي مورغن. وتجدر الإشارة إلى أن جي. بي مورغن يدعي بأنه لم يتحدث أبداً مع بلير عن الصفقتين الأخيرتين، بل إن بلير يدعي بأنه لم يكن على علم بالعلاقة . لكن حتى بعد أن علم بلير بهذه العلاقة وضع في الخطة استثمارات في قطاع الغاز والنفط بقيمة 1200 مليون دولار!!

كما نجح بلير في إقناع السلطات في “إسرائيل” السماح لموزد الخدمات الخلوية ‘الوطنية’، العمل في المناطق كشركة خلوية إضافية. أصحاب ‘الوطنية’ هم شركة QTEL القطرية الكبرى، وهي زبون مركزي لجي. بي مورغن . وهذا يفسر نوعاً ما إصرار بلير على حصول الشركات الفلسطينية وتزويدها ب 80 ميغاهرتز لشبكة 3G، و40 ميغاهرتز لشبكة 4G للهواتف المحمولة، وإدراج هذا المطلب ضمن المبادرة الاقتصادية لبناء الدولة

أهم ما ورد في الخطة أنها ستنفذ وفق الوضع القائم سياسياً وامنياً من ناحية المعابر ونقاط التفتيش العسكرية القائمة، والمياه والمعابر الحدودية، وتعزيز السياحة العربية وتحديداً من الأردن، وذلك من خلال منح الفيزا أو من خلال التصاريح، وتزويد 80 ميغاهرتز لشبكة 3G، و40 ميغاهرتز لشبكة 4G للهواتف المحمولة (تردد 2.5 جيجا هرتز على الأقل)، تصاريح لمزيد من الاستخدام “المنظم” والمراقب” للمتفجرات المستخدمة في المحاجر. خطة تسويق مشتركة بين “الأراضي الفلسطينية” و”إسرائيل” والأردن لتسويق الأراضي المقدسة كعلامة تجارية، وذلك لتعزيز السياحة الدينية. فتح معبر “اللنبي” 7 أيام في الأسبوع، 24 ساعة في اليوم خلال الأسبوع، وفتحه ولغاية الساعة الثامنة مساءاً في عطل نهاية الأسبوع. مع إعادة فتح نقاط التفتيش التجارية في غزة حيث يساهم هذا في بيع البضائع في الضفة الغربية و”إسرائيل”. تسهيل وصول السياح إلى غزة من خلال معبر إيرز.

تغطي الخطة/ المبادرة الاقتصادية من أجل فلسطين، ثمانية قطاعات رئيسة: الزراعة، البناء، السياحة، تكنولوجيا المعلومات، الصناعات الخفيفة، مواد البناء، المياه والطاقة. وهذا عبر ضخ الأموال والاستثمارات، بل وحتى التأمينات والضمانات الدولية ومن الشركات متعددة الجنسيات من أجل تحفيز القطاع الخاص على قيادة التنمية وتحقيق النمو الاقتصادي.

مؤشرات تحقيق هذا في القطاعات الثمانية تتأتى من خلال زيادة حجم الضريبة التي سوف تجبيها السلطة من خلال نمو هذه القطاعات، بقيمة تتراوح بين 600-650 مليون دولار أمريكي خلال الثلاث سنوات (منهم حوالي 200 مليون دولار من تشغيل ميناء غزة، وبيع الكهرباء عبر استخدام الغاز المستخرج من شواطئ القطاع)، أي إضافة سنوية تقدر ب 200-215 مليون دولار أمريكي، هذا الرقم الصغير هو ما تقترحه الخطة، إضافة إلى زيادة أعداد التشغيل وحجم الاستثمارات الموظفة.

في قطاع الزراعة، تقترح الخطة أن نمط الزراعي الحالي غير منتج، وأن الأرض لا تنتج بالحجم والشكل الكافي، وعليه يجب تغيير هذا النمط، عبر زيادة كمية المياه، الحصول على أسمدة وبذور بمعايير عالمية، والولوج للمؤسسات المالية، وكذلك توحيد مظلة لملكية الأراضي حتى لا تكون متفرقة، وذلك عبر إنشاء تعاونيات للمزارعين، أو نظام تأجير زراعي (من غير الواضح ما هو المقصود في توحيد ملكية الأراضي أو طريقة إدارتها)، هذا كله سيسهم في تحسين قدرة المزارعين على التفاوض والحصول على عقود تصديرية أفضل، وحسب الأرقام الواردة فأن العائد المتوقع من تحسين قطاع الزراعة هو 25 مليون دولار من ضريبة القيمة المضافة على الغذاء المصنع، بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات داخل الناتج المحلي الإجمالي. كما أن التركيز في هذا القطاع على عوامل داخلية دون الحديث عن 63% من ارض الضفة (مناطق ج) التي يسيطر على معظمها المجلس الإقليمي للمستوطنات. وهل التعاون الفلسطيني الإسرائيلي في مشاريع المياه يتضمن المستوطنات؟؟

في موضوع الإنشاءات تركز الخطة حول العرض والطلب، وتلخيص مشاكل مناطق” ج” بطول فترة قبول طلب الترخيص، وليس نسبة رفض تراخيص البناء التي وصلت لأكثر من 90% في السنوات الأخيرة، أو نظام التخطيط غير القانوني والذي يسيطر عليه المستوطنين.

تضع الخطة هدفاً “طموحاً” يتمثل في أن يتم زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته 50% خلال ثلاث سنوات، أي إضافة 5 مليار دولار، وإيجاد ما بين 250-400 ألف فرصة عمل جديدة، وهذا من خلال إيجاد استثمارات جديدة بقيمة تتراوح بين 13-14 مليار دولار، بمعدل 4.5 مليار دولار لكل سنة من السنوات الثلاث للخطة، منهم 4 مليار في البنية التحتية لقطاعي المياه والطاقة، و6.5 مليار في قطاعات الإنشاءات والإسكان، وانخفاض مساهمة القطاع العام في التشغيل إلى 17% فقط .

بلير خاطب الفلسطينيين عبر مقالة مطولة تشرح الإبداع الذي اجترحه في معالجة القضية الفلسطينية ودمج الاقتصاد بالسياسة، وأراد أن يطمئن الفلسطينيين أن المشاريع الاقتصادية التي قدمتها الرباعية لن تكون بديلاً عن حل سياسي. لكن هي ذات المقاربة، ولا يوجد فيها أي إبداع جديد لكي ينسبه الرجل لنفسه، وأحوال الفلسطينيين تزداد سوءاً عاماً بعد عام، ويسرق الاحتلال المزيد من الأراضي.

فيما لم تشر الوثيقة سواء التي صنفت بالسرية أو تلك المنشورة على موقع الرباعية الدولية للاستيطان كمعيق على الأقل في تنمية المناطق المصنفة “ج”، بلير والرباعية أعادوا إنتاج وتسويق مقولات السلام الاقتصادي.

 
 

أضف تعليقك