“صندوق النقد”: استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل يحتاج إلى نمو حقيقي في الاقتصاد الفلسطيني لا يقل عن 8% سنوياً
 
 
“صندوق النقد”: استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل يحتاج إلى نمو حقيقي في الاقتصاد الفلسطيني لا يقل عن 8% سنوياً
 
 

الأيام 23-12-2012-22

إزالة الحواجز والقدرة على الوصول إلى الموارد شرطات لتوسيع نشاط القطاع الخاص

صندوق النقد”: استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل يحتاج إلى نمو حقيقي في الاقتصاد الفلسطيني لا يقل عن 8% سنوياً

كتب عبد الرؤوف ارناؤوط :
قال صندوق النقد الدولي: إن المستجدات التي طرأت على سوق العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ إبرام اتفاقات أوسلو عام 1994 تعكس أداءً في النّمو راكداً نسبياً؛ إذ كان النّمو في التشغيل بمستوى لا يكفي لاستيعاب الارتفاع السريع في أعداد القوى العاملة، مما أدّى إلى وجود مستويات مرتفعة من البطالة الجزئية والبطالة الكلية.
وقال الصندوق في تقرير حديث وزعه، أمس: إن “الحاجة تقتضي تحقيق معدل نموّ حقيقيّ لا يقل عن 8% سنوياً، مع تحقيق نموّ في الإنتاجية بنسبة 3%، لكي يتسنّى استيعاب الدّاخلين الجدد إلى سوق العمل، والوصول إلى معدّل للبطالة منخفض وطويل الأمد بنسبة 7%، مع السّماح في الوقت ذاته للأجور الحقيقية بأن تنمو بنسبة 1.5% سنوياً”.
وقال: “ومن المتطلبات المُسبقة الأساسية لتوسيع نشاط القطاع الخاص والتّشغيل، إزالة الحواجز على حرّيّة الحركة والقدرة على الوصول إلى الموارد”.
وفي دراسة له بعنوان “الضفة الغربية وقطاع غزة: اتجاهات سوق العمل، النمو والبِطالة”، قال صندوق النقد: “الأهالي في الضفة الغربية وقطاع غزة من الأجيال الناشئة والشّابة ومستوى مشاركة الأيدي العاملة فيهما منخفض، ففي حين أنّ الفئات السكانية التي هي في سنّ العمل كانت ولا تزال تنمو بنسبة 4% في المتوسط منذ عام 1995، ازدادت مشاركة القوى العاملة هامشياً فقط من 39% في العام 1995 إلى 44% في منتصف العام 2012. وكانت مشاركة القوى العاملة بمستوى منخفض بلغ نسبة 38% في العام 2002، عندما تدهورت البيئة السياسية والاقتصادية نتيجة للانتفاضة الثانية التي امتدت على مدار السنوات من 2000 إلى 2002. كذلك فإنّ المعدل المنخفض لمشاركة النساء في القوى العاملة (الذي يبلغ في المتوسط نسبة 15.4% منذ العام 2005) والحصة المرتفعة نسبياً من الطّلبة، مِمّن هم في سنّ العمل، يُبقيان مستوى المشاركة في الأيدي العاملة منخفضاً”.
وأشار إلى أن “النمو في التشغيل منذ إبرام اتفاقات أوسلو كان ولا يزال بمستوى لا يكفي لاستيعاب المُستجدّين في سوق العمل”، وقال: “دخل سوق العمل الفلسطينية حوالي (0.6) مليون عامل منذ العام 1995، في الوقت الذي استحدث فيه القطاعُ الخاص ما مجموعه (0.3) مليون وظيفة إضافية، بينما أضاف القطاع العام (0.2) مليون وظيفة، وارتفعت أعداد العاطلين عن العمل بما مقداره (0.1) مليون عاطل، وبقي هذا الارتفاع عالياً في معظم الفترة التي أعقبت إبرام اتفاقات أوسلو، متراوحاً بين 20 و31%. وأثناء اندلاع الانتفاضة الثانية، فُقد الكثير من الفُرص الوظيفية التي يوفّرها القطاع الخاص، وتراجع مستوى التشغيل في إسرائيل بنسبة 60%، ونتيجة لذلك، فقد هبط معدل التشغيل إلى نسبة 64% في العام 2002. وعندما تعافى القطاع الخاص، وعاد العاملون من الضفة الغربية إلى وظائفهم في إسرائيل، تعافى معدّل البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى نسبة 70% تقريباً، ولكنّ هذه النسبة لم تصل إلى مستوياتها ما قبل الانتفاضة؛ لأنّ القطاع الخاص في قطاع غزة لم يتعاف تماماً أبداً، ولم يُسمح للعاملين من قطاع غزة بالدخول مرةً أخرى إلى سوق العمل الإسرائيلية بسبب حالة الإغلاق المفروضة على القطاع”.
كما أشار صندوق النقد إلى أن “نموّ التشغيل في القطاع الخاص كان بطيئاً، إذ تقلّصت حصة التّشغيل في كلٍّ من إسرائيل والمستوطنات الفلسطينية بصورة كبيرة”. وقال: “فقد نما التّشغيل في القطاع الخاص من 248 ألف فرصة تشغيل في العام 1995 إلى 584 ألف فرصة تشغيل في منتصف العام 2012؛ أي بمتوسط زيادة سنوية مقدارها 6%، وقد ارتفع مستوى تشغيل الفلسطينيين إلى 127 ألف فرصة عمل في عام 1999، ولكنّه تراجع بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، وذلك يعود بصورة رئيسة إلى إغلاق الحدود فيما بين إسرائيل وقطاع غزة إلى جانب القيود المفروضة الأخرى، فقبل ذلك الإغلاق، كانت نسبة 14% من العاملين من قطاع غزة يعملون في إسرائيل، ويُمكن، بعد ذلك الحين وفي الوقت الراهن، تجاهل أعداد هؤلاء العاملين لكونها متواضعة، وكان عدد العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل قد ازداد في السنوات الأخيرة إلى حوالي 80 ألف عامل في منتصف العام 2012، كما كانت حصة العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل وفي المستوطنات، قبل اندلاع الانتفاضة، تبلغ نسبة 26%، أمّا في الوقت الحاضر، فهي تبلغ حوالي 13%، كذلك فقد بلغ حجم التشغيل في القطاع العام (لدى السلطة الفلسطينية والحكومات المحلية) حوالي 192 ألف عامل في منتصف العام 2012، أي بمتوسط زيادة مقدارها 5% سنوياً. ويرتبط المعدل المرتفع لنموّ التشغيل في القطاع العام بعدم كفاية فرص العمل التي تُستَحدَث في القطاع الخاص نتيجةً للقيود المفروضة على حرية الحركة والقدرة على الوصول إلى الموارد، كما هي مفروضة، أيضاً، على الاستثمار، والصادرات والواردات. كذلك فقد وضعت السلطة الفلسطينية سقوفاً لنمو التشغيل ضمن إطار الإصلاحات التي حدّدت معالمها خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية (2008 – 2010)، وخليفتها خطة التنمية الوطنية (2011 – 2013) لتبلغ زيادة صافيةً مقدارها 3,000 عامل سنوياً”.
وأكد صندوق النقد الدولي أن “مستوى البطالة بقي مرتفعاً طوال المدة التي أعقبت فترة أوسلو، ولا سيّما في أوساط اليافعين والشباب في قطاع غزة”. وقال: “فبعد تراجع سريع لمستوى البطالة في السنوات الأولى التي تلت فترة أوسلو، بلغت البِطالة مستوى من الذروة في العام 2002، عندما كان فلسطيني واحدٌ فقط من بين كلّ ثلاثة فلسطينيين عاطلاً عن العمل. ثمّ هبط ذلك المستوى إلى 22% في العام 2007 قبل أن يُعاود الارتفاع إلى 26% في السّنة التّالية نتيجة حصار غزة. ومنذ ذلك الحين، هبط مستوى البطالة إلى نسبة 22% في منتصف العام 2012. وقد كان مستوى البطالة في قطاع غزة أعلى بكثير (33% في المتوسط بين عام 2000 وعام 2011) منه في الضفة الغربية (20% في المتوسط في الفترة ذاتها)”.
وشدد صندوق النقد الدولي على أنه يُمكن أن يُعزى المستوى المرتفع والمستمر للبطالة إلى أربعة أسباب:
أولاً، القيود المفروضة على الواردات والصادرات. وهذه تُشكِّل عائقاً خاصّاً بعينه، ولكنه ليس حصريّاً، أمام خلق فرص العمل في قطاع غزة، حيث تُوجد قيود شديدة مفروضة تشمل الحظر الافتراضي على التصدير، والقيود الشديدة على الواردات من مواد البناء.
ثانياً، القيود المفروضة بصورة مستمرة على حركة الأيدي العاملة وعلى إعادة تخصيص رأس المال المُنتج بين قطاع غزة والضفة الغربية.
ثالثاً، المستويات المنخفضة من الاستثمار في القطاع الخاص، بخلاف الاستثمار في الإنشاءات.
رابعاً، الأجور المُرتفعة التي يقبل بها بعض الباحثين عن فرص العمل. فربما يختار بعض أولئك الباحثين البقاء عاطلين عن العمل، أو العمل ضمن إطار مفهوم “البطالة الجزئية” لفترة مؤقتة على أمل الحصول على عمل إما في القطاع العام وإما في إسرائيل أو المستوطنات حيث تفوق الأجور في أماكن العمل تلك الأجور التي يدفعها القطاع الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة.
رابعاً، الحجم الصغير لمعظم المؤسسات، فأكثرية المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة تستخدم أقل من 20 موظّفاً، وتميلُ هذه المؤسسات إلى أن تكون أكثر مرونةً من المؤسسات الكبيرة، وربما تصنعُ إسهاماً كبيراً في التّشغيل بكلفة استثمارية متدنية نسبياً، غير أنّها تواجه عقبات على صعيد نموّها وقدرتها على خلق فرص العمل، بما في ذلك غياب الإطار القانوني لعملياتها، والافتقار إلى فرص الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا، وإلى فرص التمويل المحدودة نسبياً.
وأكد صندوق النقد الدولي أنه “تقتضي الحاجةُ تحقيق معدّل نمو بنسبة 4.5% لاستيعاب الدّاخلين المستجدّين في سوق العمل من الشباب الذين تشهد أعدادهم نموّاً سريعاً، في حين تقتضي الحاجة تحقيق معدلات نمو أعلى من ذلك بكثير لتخفيض مستوى البطالة”.
وقال: “تشير التّقديرات إلى أنّ حوالي 250 ألف شاب فلسطيني سوف يدخل إلى سوق العمل خلال الفترة من 2012 إلى 2015. إن مشاركة القوى العاملة في أوساط العاملين من كبار السن منخفضة المستوى، لذلك فإنّ عدداً محدوداً فقط من الوظائف القائمة حالياً سوف يتوافر عندما يتقاعد العاملون. وبافتراض أنّ المرونة التقديرية سوف تبقى على حالها في المدى المتوسط، فإنّ الحاجة تستدعي تحقيق متوسط نمو بنسبة 4.5% لاستيعاب الزيادة المتوقّعة في القوى العاملة، ويُتَنبّأ لهذا النّمو بأن يبلغ نسبة مئوية مقدارها 5.4% خلال الفترة من 2012 إلى 2015، والذي من شأنه أنْ يؤدي إلى خفض متواضع في معدل البِطالة من نسبة 22% في الوقت الحاضر، إلى حوالي 18% على المدى المتوسط.
وقال: إن تحقيق تخفيض في معدل البطالة بنسبة النّصف من شأنه أن يتطلّب تحقيق متوسط معدلات نمو حقيقية بنسبة 7.25% في الفترة بين 2012 و2015. وتُشير التقديرات إلى أنّ تحقيق متوسط معدل نمو أدنى بنسبة حوالي 2% من شأنه أنْ يُؤدي إلى معدل بطالة يصل إلى حوالي 25% في المستوى المتوسط”.
كما أشار إلى أن “من شأن السّماح بحدوث نموّ حقيقيّ معقول في الأجور أن يتطلّب حتّى معدّلات نمو حقيقيّة أعلى لاستيعاب الدّاخلين الجُدُد وتخفيض معدل البِطالة”.
وقال: لكي يتسنّى خفض معدل البطالة إلى نسبة 7% في العام 2020، بأجور حقيقية ثابتة، فإنّ الاقتصاد يحتاج إلى أن ينمو بنسبة 7%، مع نمو الإنتاجية بنسبة 2%. ويتطلّب أحد السيناريوهات الأكثر واقعية في ظل أجور حقيقية آخذة في النّمو تحقيق معدلات نمو أعلى في الإنتاجية وفي الناتج المحلي الإجمالي، ولتوضيح ذلك، فإنّه مع ازدياد الأجور بنسبة 1.5% سنوياً، فإنّ معدل بطالة مستهدف، بنسبة 7% بحلول العام 2020، سوف يتطلّب نمو الناتج المحلي الإجمالي نموّاً حقيقياً بنسبة 8% سنوياً، ونموّا حقيقياً في الإنتاجية بنسبة 3% سنوياً.
وبحسب صندوق النقد، فإنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ في المتوسط 4.8% سنوياً في حقبة ما بعد أوسلو.

 
 

أضف تعليقك