لكي لا تصبح الشراكة مع القطاع الخاص مجرد شعار
 
 
لكي لا تصبح الشراكة مع القطاع الخاص مجرد شعار
 
 

القدس 13-1-2013-24

لكي لا تصبح الشراكة مع القطاع الخاص مجرد شعار

بقلم :الدكتور حازم الشنار

لا يجادل اثنان بأهمية الحوار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، ليس لتدارك تبعات وتداعيات الازمة الاقتصادية الراهنة فحسب، بل للنهوض باعباء عملية التنمية والبناء الاقتصادي لاسس الدولة الفلسطينية العتيدة برمتها. ومادام الامر كذلك فأين نحن من الحوار والشراكة بين القطاعين؟

بمراجعة سريعة لمجريات العام الفائت فقط، دون تناول الاعوام التي سبقته، يتبين لنا ان الموضوع اعلاه اي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قد تم طرقه مرات عديدة على الساحة الاقتصادية المحلية، بل انتقل ملفه مع الوفود المشتركة الى عواصم مختلفة من هذا الكون، دون ان يجد جوابا شافيا، بحيث كان فتحه اشبه ما يكون بفتح الجرح دون تضميده. وظل الحديث عنه مبتورا وناقصا خصوصا مع عدم ترجمته الى فعل، حتى صدق المثل فيه “اسمع جعجعة ولا ارى طحينا”. فلا اتفاق حقيقي وشامل تم، ولا تقدم فعلي في كثير من الامور بين الطرفين على الارض تم، ولا مأسسة تمت.

فكلنا يذكر الحوار المالي الذي جاء مع نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 اثر طرح قانون ضريبة الدخل الجديد، وما افضى اليه من نتائج لم تكن مرضية تماما لاي من الفريقين. وقد اعقب ذلك لقاء بين ممثلي القطاعين العام والخاص في وزارة الاقتصاد الوطني نهاية يناير2012، حيث تمت الدعوة فيه الى استئناف اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة، التي عقدت امانتها اجتماعا تمهيديا، اتفق فيه على تجديد عضوية ممثلي المؤسسات المشاركة من كلا الفريقين في اللجنة. وقد تم السير في هذه العملية بالفعل. وقد قادني هذا الملف كممثل عن القطاع العام، والزميل المناظر لي من القطاع الخاص الى عاصمة الحوار الاورومتوسطي، لبحث آفاق تطوير مفهوم الشراكة ومأسسته على هامش مناقشة بند الشراكة بين القطاعين في الميثاق الاورومتوسطي للتنمية والاستثمار. وكان من المفترض ان نتابع العمل على هذا الملف بعد عودتنا، لكن التغيرات السياسية وتشكيل حكومة جديدة قد اجل تلك الجهود.

وقد جاءت الخطابات المتبادلة التي سمعناها عن الشراكة في حفل التسلم والتسليم لوزير الاقتصاد الوطني الجديد في ايار الماضي، والوعود التي تم قطعها بهذا الخصوص في حضور رئيس الوزراء و مسئولي مؤسسات القطاع الخاص، منعشة للامال المعقودة على النهوض بهذا الملف وتحقيق التقدم المطلوب. غير ان ما حصل بعد ذلك وحتى نهاية العام المنصرم، لم يش باي تقدم على هذا الصعيد، فكل ما تم في احسن الاحوال كان مجرد لقاءات عابرة بين الفينة والاخرى بين الطرفين لتأكيد حسن النوايا والرغبة في استئناف الحوار وتفعيل عمل اللجنة المشتركة. ولكي نكون منصفين، فإن هناك عددا محدودا من المشاريع واللجان والمجالس التي يشارك فيها القطاعان على مدار عدة سنوات. وفي كل مرة تطفو فوق السطح تداعيات الازمة الاقتصادية يصبح الحديث عن الحوار والشراكة لازمة ضرورية يتم التغني بها. ثم وبعد خفوت نبض الشارع تعود الامور الى طبيعتها، وكأن المشاكل قد حلت بحيث لم يعد للحوار ضرورة.

فكيف من الممكن الخروج من هذه الحلقة المفرغة؟ وكيف من الممكن تحقيق انطلاقة في هذا الملف الهام، الذي من الممكن ان يشكل التقدم فيه رافعة حقيقية للاعتماد على الذات في الحدود الدنيا، من اجل مواجهة الازمة الاقتصادية وبخاصة المالية منها، بعد ان تهاوت الوعود الرسمية العربية لتوفير شبكة امان للسلطة الوطنية الى العدم؟

وكيف يتم تجنيد الحوار لمواجهة ما تسبب به لجوء اسرائيل الى القرصنة على اموال الضرائب الفلسطينية كرد على التوجه الفلسطيني للامم المتحدة، من ارباك وتعثر لدى الخزينة الفلسطينية، وعجزها عن توفير التزاماتها وبشكل خاص دفع رواتب الموظفين الحكوميين ومستحقات القطاع الخاص، وتسديد الديون المتراكمة على المستهلكين الفلسطينيين من كهرباء وماء وخلافه، والتي لجأ الاحتلال لحسمها بصورة كيفية من المستحقات الضريبية الفلسطينية. ناهيك، طبعا، عن بحث سبل مواجهة تفاقم ازمة غلاء المعيشة والبطالة والفقر على الفئات المهمشة للمجتمع عبر الارتقاء بوضع القطاع الخاص بالذات وانعاش فرص الاستثمار وتحسين بيئة الاعمال فيه، وبالتالي رفع قدرته على القيام بمسئولياته الاجتماعية بتوفير فرص العمل، وتحسين ظروفه، والمساهمة في تحقيق متطلبات التنمية الاجتماعية.

لعل من نافلة القول ان توفر الارادة السياسية وثباتها لتحقيق التقدم المطلوب هو الشرط الاساس، ثم ياتي الحديث بعد ذلك عن مدى توفر الادوات المناسبة لتنفيذ السياسات والبرامج وادارة عملية الشراكة. واذا كانت التصريحات تطلق صباح مساء لتأكيد توفر النية لتحقيق ذلك الهدف، ثم تذهب تلك التصريحات ادراج الرياح، فإن ذلك لن يجدي نفعا. فليس مهما علو النبرة في التصريحات، انما المهم والمعيار الحقيقي هو في قدرة اي مسؤول على ترجمة اقواله الى افعال، وعلى هذا يتم البناء والتقييم.

وقد اخترت هذا الموضوع بالذات ليكون فاتحة مقالاتي لهذا العام، نظرا للأهمية المحورية التي يتسم بها. ولا ارغب برفع شعارات كبيرة هنا، لا استطيع لاحقا ان اكون مسئولا عنها وانا لست في موقع القرار، كأن اقول بان عام 2013 هو عام تعميق الحوار بين القطاعين العام والخاص، وترسيخ ومأسسة الشراكة بينهما، فمن حق اي واحد حينها ان يسألني لماذا لم يكن الامر كذلك العام الذي قبله اوالذي قبل قبله كذلك وما هي الضمانات؟ وهكذا دواليك… ويبقى الجواب بأن ذلك يعتمد قبل كل شيء على صدق الارادة السياسية ومصداقية الفريقين وليس فريق واحد في تحقيق تقدم بالحوار والشراكة الجادة.

كل ما استطيع ان افعله هو المطالبة بالاسراع في تفعيل عمل اللجنة الفنية المشتركة بين القطاعين وباجراء مراجعة شاملة لكل الامور التي تم الاتفاق عليها، وحصر ما تم تنفيذه منها وما لم يتم، من اجل تلافي المعيقات والعقبات، ووضع المقترحات والبرامج الجديدة موضع الاختبار بعد مناقشتها والاتفاق عليها، ومن ضمنها توسيع مفهوم الشراكة بحيث لا يقتصر على المفهوم الضيق واحادي الجانب الذي يرى فيه فقط ما يقدمه القطاع العام من خدمات للقطاع الخاص ومدى شموليتها ونوعيتها، دون اي التزامات او مساهمات من جانب القطاع الخاص. بل تطويره ليشمل الشراكة الحقيقية من خلال استثمارالقطاع الخاص في مشاريع القطاع العام باشكاله المختلفة، خصوصا في مجال البنية التحتية، فهذا هو البديل الحقيقي للاستثمار الخارجي للودائع الفلسطينية، ولفتح المجال امام فرص الاستثمار والعمالة المحلية.

ومن اجل النجاح في تطوير الشراكة في مفهومها الواسع، لا بد من العمل على تطوير الاليات العملية لتحقيقه. وذلك من خلال خلق البيئة القانونية المناسبة وتطوير الأطر التنظيمية والإدارية للشراكة، بما يضمن ديمومتها وثباتها مع تبادلية الأدوار وفعالية التنسيق. على ان يتخلل ذلك القيام بحملات توعية وإرشاد وتثقيف وتدريب حول النماذج المختلفة للشراكة لجميع أطرافها.

ولضمان نجاح الاليات الجديدة للشراكة ايضا من الممكن ان يشكل الحوار الاقتصادي الاجتماعي لاطراف الانتاج الثلاثة وعاءا رديفا للحوار بين القطاعين. ومن الممكن، ان صدقت الافعال قبل النوايا والاقوال، ان يتم تتويج الانجازات والتفاهمات التي يتم تحقيقها بعقد المؤتمر الرابع للحوار الوطني، بحيث يشكل هذا المؤتمر نقطة تحول حقيقية وفارقة في مسيرة الشراكة بين القطاعين.

 
 

أضف تعليقك