الايجابية في الحياة سرالسعادة والاستمتاع
 
 
الايجابية في الحياة سرالسعادة والاستمتاع
 
 

عمان – الرأي

د. أمينة منصور الحطاب

عابرة هي الحوادث والمفارقات التي تمر بحياتنا دون أن نعيرها أي اهتمام؛ فلا نتأمل في مغزاها ،ولا نقف عند مجرياتها ،ولا نفكر في أسبابها، ولا نستفيد من عِبرها، وتمضي بنا الأيام نشكو رتابتها، ونمل روتينها، ونتذمر من تكرارها، ونسعى نحو التغيير والتجديد، وننسى أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،إن التدبر والتأمل في الأحداث التي نعيشها يحدث فرقاّ في طريقة التفكير، فيدفعنا نحو البحث والاستقصاء، ويقودنا نحو المعنى والأسباب في تفسير الظواهر مهما كانت بسيطة فلم يكن بوسع نيوتن أن يكتشف قانون الجاذبية لو لم يفكر في سبب سقوط التفاحة على رأسه والأمثلة كثيرة .

لقد أحببت أن أشارك القراء في حادثة غيرت اهتمام علماء النفس من البحث في العجز والاضطرابات إلى البحث عن السعادة والاستمتاع والايجابية في الحياة.

مبدأ نيكي

يقول العالم مارتن سليجمان – مؤسس علم النفس الايجابي – :» علي أن أعترف أنه بالرغم من تأليفي كتبا عديدة عن الأطفال إلا أنني لم أكن جيداً معهم ،فقد كنت دائماً متحركاً نحو الهدف، ومطوقاً بما يعرف بضغط الوقت عندما وقعت معي هذه الحادثة مع ابنتي الصغيرة نيكي التي عانيت معها كثيراً في سبيل تعديل سلوكها لأنها كانت صعبة المراس وكثيرة الشكوى والنواح ،ففي أحد الأيام وبينما كنت أزيل الحشائش الجافة من حديقة منزلي بصحبة ابنتي ذات الخمس سنوات، وأجتهد لأنهي هذا العمل بسرعة، كانت ابنتي ترمي الحشائش في الهواء وتغني وترقص فرحة سعيدة وتترقب سقوطها على الأرض ثانية، ولأنها كانت تشتت جهدي صرخت فيها فسارت مبتعدة ،وبعد دقائق قليلة عادت إلي قائلة :»أبي أريد التحدث معك « ،فقلت لها :ما الأمر يا نيكي؟ قالت: «هل تذكر يا أبي ما قبل عيد ميلادي الخامس…!عندما كنت في الثالثة من عمري لقد كنت كثيرة الشكوى والتذمر وكنت أنتحب كل يوم ،وفي عيد ميلادي الخامس قررت أن لا أنتحب بعد ذلك، لقد كان هذا أصعب شيء حققته وإذا كنت أستطيع التوقف عن النحيب فأنت كذلك ينبغي أن تتوقف عن الغضب والانفعال الشديد « يقول سليجمان وإذا بغلالة تتمزق في داخلي لقد حملت الكآبة في نفسي خمسين عاماً حتى أنني لم أشعر بالشمس التي غمرت منزلي ،لقد تعلمت شيئاً من ابنتي ،شيئاً ما عن تربية الأطفال ،شيئاً ما عن نفسي ،وشيئاً ما عن مهنتي .

إن الدرس الذي تعلمته هو أن تربية ابنتي ليست فقط في تصحيح نحيبها أو الصخب الذي تحدثه فقد تمكنت ابنتي من ذلك بنفسها ،لقد أدركت أن تربية ابنتي تكون من خلال تعليمها مهارة ضبط الذات، وتعظيم قدراتها، وتعهدها بالرعاية ومساعدتها على تشكيل حياتها بما يمكنها من التغلب على مواطن ضعفها ومجابهة مشكلات الحياة بقوة وعزيمة ،إن تنشئة الأطفال هي أكثر من مجرد إصلاح ما لديهم من أخطاء ،إنها تهدف إلى تقوية قدراتهم وفضائلهم ومساعدتهم على إظهار قدراتهم على أفضل وجه» ،ويستطيع الآباء والمعلمون الاستعانة بهذا التوجه الجديد لتنشئة جيل قوي بسماته الايجابية.

علم النفس الايجابي

يعد علم النفس الإيجابي أحد الفروع الحديثة في علم النفس التي ظهرت على يد العالم الأميركي سليجمان، والتي تركز على تحسين الأداء النفسي الوظيفي العام للإنسان، وتهتم ببحث محددات السعادة البشرية والعوامل التي تفضي إلى تمكين الإنسان من العيش حياة مرضية ومشبعة يحقق فيها طموحاته ويوظف فيها قدراته إلى أقصى حد ممكن وصولاً إلى الرضا عن الذات وعن الآخرين وعن العالم بصفة عامة.

غاية علم النفس الايجابي

تتمثل الغاية الرئيسة لعلم النفس الإيجابي في دراسة وتحليل مواطن القوة والإبداع والعبقرية، ودور الخصائص الإنسانية الإيجابية مثل: الرضا، والتفاؤل، والامتنان والاعتراف بالفضل، والصفح والعفو، والتسامح، والأمل، والإيثار، والتعاطف، والتقدير الاجتماعي ،والرغبة في التحكم، وحب الاستطلاع، في تحقيق وتعزيز السعادة الشخصية للفرد في مختلف أنشطته وممارساته اليومية، حيث يساعد الأفراد والمؤسسات على اكتشاف قدراتهم ومواطن قوتهم الإيجابية، وتنمية كفاءتهم الذاتية.

أهمية علم النفس الايجابي

يركز علم النفس الإيجابي على أوجه القوة عند الإنسان بدلاً من أوجه القصور، وعلى الفرص بدلاً من الأخطار، وعلى تعزيز الإمكانات بدلاً من التوقف عند المعوقات، وتنشيط الفاعلية الوظيفية والكفاءة والصحة الكلية للإنسان بدلاً من التركيزعلى الاضطرابات وعلاجها، ويهتم ببناء القدرة والمتعة والصحة في الإنسان المعافى وصولاً إلى المزيد من تحقيق ذاته.

القوى النفسية والفضائل الإنسانية

إن علماء النفس اليوم يعرفون الكثيرعن الاضطرابات النفسية، والمشاعر والانفعالات السلبية ولا يعرفون إلا القليل جداً عن الأسباب التي تنمي القوى النفسية والفضائل الإنسانية وذلك لأنهم أهملوا الجانب المشرق والمتزن والسليم في حياة الانسان، فتم التركيز على القلق وإهمال الطمأنينة النفسية، وعلى الاكتئاب وإهمال السعادة، وعلى اليأس وإهمال الأمل، وعلى التشاؤم وإهمال التفاؤل، وعلى الانتحار وإهمال حب الحياة، وعلى العجز وإهمال القوة، وهذه نظرة ضيقة في اهتمامات السيكولوجيين بالسلوك الإنساني، ويتطلب الأمر إعادة النظر والاهتمام أكثر بالجوانب الطيبة والمشرقة في حياة الانسان وتنميتها وتطويرها، فالناس يريدون أكثرمن مجرد تخليصهم من التعاسة والاضطرابات، إنهم يحتاجون إلى حياة فيها معنى يجعلها جديرة بأن تعاش .لقد حبانا الله بمشاعر ايجابية ينبغي البحث عنها وفيها لمعرفة تأثيرها على حياتنا، وتعزيزعوامل تنميتها لجعلها مثمرة ودائمة

 
 

أضف تعليقك